آخبار عاجل

رواية مايا  بقلم: محمد مصطفي الخياط

22 - 08 - 2021 4:00 574

الفصل الخامس عشر
("هناك من المعانى، في كل حركة وسَكَنَة من حولنا ما إن استطعنا فهمه واستيعابه لرأينا المستقبل حاضرًا وتحدثنا مع الطير والحيوان")


بيروت، شتاء 2017 
منذ كسرنا آخر الحواجز بيننا وعلاقتنا تزداد مع الأيام عمقًا ورسوخًا، اللهم إلا من بعض سحابات فتور من تلك التى تغشي المحبين، لا تلبث تنقشع وقد توطدت علاقتهم أكثر وأكثر. كنت الأكثر مراوحة بين الفتور والنشاط، فيما بقى نشاطها ذاتي التجدد. 
لكنها، ولأسباب لم أفهمها في حينها يغشاها ذهول مفاجئ، تنكر على إثره ما حولها، تقابلني وكأنها لا تعرفني ولا أعرفها، أو تعاملني كزميل لا أكثر، في تلك الأثناء يكثر عدها على أصابعها، وترسم بيديها أشكالاً في الفراغ، لكنها، ولأسباب أيضًا غير مفهومة، سرعان ما تعود فياضة الأنوثة، طاغية المشاعر، تملأ امسياتنا أنسًا، وتنثر الورود في طريق وحدتي. حيرتني وصرت لا أعرف، ألهذا علاقة بحبنا أم أن هناك شيئًا آخر لا أعلمه.
الثابت في الحالتين، عدم صبرى على بعدها، كانت إذا غابت، هاتفتها فيأتينى صوتها على الجانب الآخر رخوا منقوعًا بالنعاس والإغراء، تتمطع بصوت مسموع ثم ترسل قُبلاتها كرزاز المطر فتزهر بساتيني وتخضر حشائشى وتتلون زهورى، فإذا ما كواني الضنا رشقتها في الخاصرة خنجرًا يـُحْنِى وحدتى، وسيفًا أشق به سحابات صيف لا تعرف المطر، وسوط عذاب أكوى به ظهرًا تَعِبَ من أحماله، واتعب مطاياه. 
يعذبني التفكير في طبيعة العلاقة بيننا، ما أنا عليه من طهر ظاهري ودنس باطني، فاعتزلها لأيام وأقيم حواجز سرعان ما تكنسها رياحها، وأجدني بعدها أبحر عميقًا في مياهها.
كم من مساء عقدت فيه العزم ألا نزق ولا جنون، فإذا ما جاء الصباح وجدتنى، وأنا ما زلت على السرير، أُخرج نصفى الأعلى من تحت الغطاء الصوفى الثقيل، أتكيء بظهرى على السرير، أحرك رقبتى يمينًا وشمالاً، لا إرادياً اتناول هاتفى، أُغلق المنبه إن كان لم يرن بعد، وبعيون نصف مغمضة أعيد الاتصال بالانترنت، أفتح هويس الرسائل على مصراعية، تتلاحق، تتعثر في بعضها البعض، أبحث بعين شرهة عن رسائلها، عن معانيها الظاهرة والباطنة، ما تقصد وما لم تقصد، تتهلل أساريرى عندما أجدها سبقتنى بصباحاتها المعطرة، أرسل لها باقات ورد أتنفس عبيرها وأريجها، وزهور تتنوع ألوانها وأشكالها، ثم أختم رسائلى متمنيًا لصاحبة السعادة صباحًا كله سعادة.
أتثاءب متكاسلاً، اغتسل، ارتدى ملابسى تأهبًا للخروج، ما زال الوقت مبكرًا، دون الخامسة صباحًا بقليل، أُحكم الكوفية حول رقبتى ونصف وجهى، ارتدى الطاقية الصوف، يخترق برد بيروت القارس الجلد واللحم عامدًا إلى العظم. يدفئنى المعطف الصوفى، حرصت على اقتنائه رغم قِدم الموديل، يرن صوت أبى في أذنى،
-    يا ابنى أَشتري لك واحد جديد، ده بقى له معايا أكثر من عشرين سنة
-    عاوزه زي ما هو !!
-    مش قيمتك !
-    قيمته أنه بتاعك
-    ...
-    غربتى اكثر من قعدتى معاكم، عاوز ريحتكم
-    زى ما تحب
-    شكرًا
-    طب خد العباية الصوف دى
-    إذا احتجتها آخدها
-    زى ما تحب
-    ...
كنا نشرب الشاى بعد العشاء، أخذت المعطف ووضعته في حقيبة السفر ورفضت أن تغسله أمى، أردته كما هو برائحة أبى التى صنعها عرقه وعطره المتواضع؛ ما زالت الزجاجة العتيقة برقبتها الطويلة وعطرها الأصفر المائل للإخضرار تحتل مكانها بين ملابسه، حتى عندما أهديته زجاجة عطر باريسى، قصر استخدامها على صلاة الجمعة والمناسبات الهامة، عدا ذلك يستخدم عطره الأثير.
أردت المعطف كما هو؛ برائحة الشوارع المتربة وجلسات المعسل والشاى الغامق مع أصحابه، يلبسه من وقت خروجه لصلاة المغرب حتى عودته بعد صلاة العشاء، وما ان ينتهى فصل الشتاء وتتفتح عيون الربيع حتى تنقعه أمى في الماء ومسحوق الغسيل بعد أن تثبت بطانته بعدة غُرز مخافة أن تتحوصل، أو (تكلكع)، على حد قولها، وما أن تطمئن إلى نظافته حتى تعلقه ليجف ثم تطويه بعناية وتحفظه في كيس من القماش بالسحارة الخشبية المؤطرة بالصدف، ذات الاستخدام المزدوج، كنبة ودولاب لحفظ الملابس، وأحيانا للاختباء فيها وقت لهونا صغارًا.
عندما زرت جيبوتى في رحلة عمل وجدت بالغرفة سحارة خشبية مؤطرة بالزخارف والصدف، آثرت استخدامها رغم وجود دولاب، وانتظرت حين أفتحها أن تتسرب إلى أنفى رائحة ملابس أبى وأمى وبعض من ملابسنا أنا وأخوتى، طقوس خروج الملابس الصيفية وتخزين الشتوية، رائحة مواسم حصاد القمح وشراء شتلات الأرز، رائحة كيس قماش تحويشة عمر أبى ومستقر إيراد بيع المحصول.
أفقت من شرودى على لسعة برد هواء بيروت، في الفجر تخلو شوارع بيروت من روادها فلا يجوبها سوى الصعاليك والعابدين، منتهى التناقض. الباحثون عن المتعة، حلالاً كانت أو حراما، لكلٍ مَنطِقُه، وبيروت لا تخذل أحدًا، تفتح قلبها للعابدين، وذراعيها للماجنين. وعليك أن تختار دون أن يساورك قلق أو حيرة، طلبك وذوقك موجودان. المسجد والكنيسة والبار في ذات الشارع، وفيما بينهم تتناثر مقاهى السُكر السياسى، لا يخلو منها حارة أو زقاق.
يمنحنى السير لساعة أو بعض ساعة في هذا التوقيت صفاءً وراحة افتقدهما في زحام العمل والانشغالات والاتصالات، أرى بيروت بعين مختلفة، وإن سمح الوقت لحقت بالأصدقاء على الكورنيش، اقتنص ضحكة أو ضحكتين ثم أعود سريعًا لألحق بميعاد عملى.
على الرغم من صِغَر مساحتها، يختزل لبنان الكون، في شوارعه، في ملاهيه، في مساكنه، حتى صراعاته السياسية ترتبط بخيوط خفية متشابكة أكثر من تلك المرئية، مسرح يجمع الهواة والمحترفين، السياسيين أصحاب النفوذ والطفيليين المهمشين. ثنائيات متناقضة تحكم العالم، الغنى والفقير، الرئيس والمرؤوس، حتى على مستوى الكون، شروق وغروب، أرض وسماء، صيف وشتاء، أليست هذه الثنائيات أحد أسباب توازن الكون وثرائه. فسيفساء تسمح للجميع بالتواجد في ذات المكان والزمان فيما تختلف الأهداف وأدوات اتخاذ القرار.
يزخر لبنان بتنوعٍ دينى فريد، الإيمان هو العامل المشترك بين الملل والطوائف، إيمان كل فئة بما تعتقد حتى وإن حمل بعضهم شكًا كالذى تحمله مايا في جيناتها. 
لمايا علاقة متوترة بالدين مشوبة بالقلق وعدم الاستقرار، بالميلاد تنتمى إلى طائفة الأقلية المسيحية، المـَلكيين،
-    ها دولا يا للى بينخلقوا وفى إيديهن صكوك التهميش والغياب
قالت لى مستنكرة مكانة طائفتها في لبنان. لا تتذكر من الطقوس الدينية إلا ما مارسته في طفولتها وصباها مع أسرتها، وتحديدًا والدتها الملتزمة دينيًا والحريصة على أداء كافة المناسك، لا فرق عندها بين الفرض والنسك التطوعى. الذهاب إلى الكنيسة أمر لا نقاش فيه يبدأ من صلاة البكور في الخامسة صباحًا وأداء كافة العبادات في أوقاتها، تأخذ نفسها بالتأنيب إن استشعرت تقصيرًا، تمر على المساكين واليتامى في بيوتهم لتوزع عليهم حصص طعام ودفعات مال شهرية، تتابع مستوى أولادهم في الدراسة، تراجع درجاتهم، تؤنبهم إن اخفقوا أو تكاسلوا، وتشجعهم عندما يحققون نجاحًا أو تفوقًا. أقرب إلى ملاك يسير على الأرض، أينما تحل يحط طائر السكينة والوفاق ناشرًا جناحيه فوق الجميع فيبزغ الأمل من جديد.
على النقيض من ذلك، ولأسباب خاصة، انقطعت الألفة بين والدها والدين، عندما كبرت مايا، وصارت تستوعب ما يحدث وتفسر وتحلل، بدا لها أبواها على طرفي نقيض، أم شديدة التدين، ولولا الزواج لصارت راهبة، كما كانت تردد دائما، وأب لا يعرف من الدين سوى أنه كاثوليكى أرمنى، هكذا درج ودون في بطاقة هويته، لا يتذكر طقوسًا دينية، لأنه لم يمارسها لينساها. عندما ولدت مايا وآن آوان تعميدها أخذتها أمها إلى أبرشية المـَلكيين وعمدتها، على عكس ما تقوم به الأسر من تعميد ابنائها، عادة، على طائفة الآباء.
تتذكر مبتسمة وجه والدتها وهى تحكى ملابسات زواجهما، ومدى امتعاض الكاهن عندما سأل أبيها عن طائفته فتلعثم. لا تنسى والدتها ملامح الكاهن وقتها، ونظرته الغاضبة لكليهما وهما جاثيان أمامه ليبارك زواجهما، ما زالت كلماته حية وطازجة في أذنها، وهو يسألها متعجبًا، بعد انتهاء المراسم،
-    ألم تجدى غير هذا المعتوه لتتزوجيه ؟، أنت الطاهرة المتدينة !!
نظرت إليه حينها بعينيين لوزيتين بلون قلب الفستق وبشرة مشربة بالحمرة قُدت من حبات مشمش حموى شهى وطازج أورثتها مايا، وهمست إليه،
-    إنه طيب القلب .. باركنا يا أبى !!
فأجابها،
-    وهل تظنى أن هذا الملحد تغشاه البركة  ؟!
ثم باركهما وكله شك أن تحل على هذا الزوج شيئًا من بركه، وانصرف ممتعضًا.
تتذكر هذه الوقائع وتضحك، خاصة عندما تردد أمها هذه الذكريات أمام أبيها، فيعقب (هل تدرين يا مارى عدد المذاهب التى يمكن ان ننتمى إليها، إن عددها يصيبنى بالدوار، لذا قررت أن أعبد الله على طريقتى)، فتندفع أمها تتمتم باسم مريم العذراء طالبة السماح والمغفرة، وألا تُؤَاخذْ هذه الأسرة الطيبة بإثم رجل عقله في لسانه، تعاود مايا ضحكها وكأنها ترى المشاهد أمامها، سبق أن حكت بعضها مرات ومرات دون ملل مُقلدة تعقيب الكاهن، (وهل تظنى أن هذا الملحد تغشاه البركة)، ثم تغرق في الضحك، وتظل ضحكتها كعادتها عالقة في شفتيها.
كان أكثر ما تخشاه أمها أن تتأثر ابنتها بأبيها، لذا حرصت على تعليمها وتربيتها تربية دينية صحيحة واصطحابها للكنيسة وفى زياراتها للفقراء والمساكين لتغرس فيها بذور التقوى والإيمان والإيثار والتضحية منذ الصغر، إلا أن مايا أثبتت أنها أرض بور لا تصلح للزراعة؛ حجر صوان، وأن العِرق دساس، وأن ما ساهم في تكوينها من جينات أبيها فاقت نظيرتها من أمها، فزهدت في الدين، وراحت تتفلت من مراسمه واحدة تلو الأخرى حتى أوشكت أن تنساها جميعًا، لتُثبت أنها بنت أبيها، وأن أقصى ما يمكن أن تطمح له أمها خيالات دينية مهوشة في صحراء عقلها. ومع هذا، كان لديها خليط فريد من أخلاق وفضائل تتمسك بها اكتسبته من أمها، يتشابك، عندما تتأمله، خالصا رقراقا مع جوهر الدين.
إحسان بالفقراء دون تمييز لعرق أو دين، مساعدة أرامل ويتامى ومرضى لا أعرف كيف تصل إليهم وهى المقيمة في شارع لا يجاوره حوارى ولا يسكن بقربه فقراء. تُذكرنى إحساناتها بحديث تونى، سائق التاكسى الذى أقلنى أول نزولى بيروت إلى الفندق، وصاحب أول درس أتلقاه في لبنان عن السياسة، عن عطايا الشيخ رفيق الحريرى، وكيف أنها لم تكن تميز بين أحد، تقف الشاحنة على أول الشارع ثم توزع المعونات بالترتيب على الكافة.
كنت قد قطعت شوطًا لا بأس به من السير، وصلت إلى الكورنيش، ثمة مجموعة من الشباب متحلقين يدخنون ويحتسون القهوة فيما ينساب من سماعة السيارة صوت فيروز هادئًا، رقراقا؛ (لبيروت من قلبى سلامٌ لبيروت وقُبلٌ للبحر والبيوت)، شملتنى سكينة وأمان، فيما يمارس الموج عادته دون كلل؛ إقبالٌ وإدبار.   
تستيقظ بيروت كل صباح على قُبلات يطبعها موج البحر على خد الشاطئ ليوقظه من سُباته العميق، لا يذكر الشاطيء كم مرة قَبله الموج ولا يذكر الموج كم مرة أعرض عنه الشاطيء فراوغه وقبله رغم أنفه، هل يعلم الشاطيء أن الموج، وهو يقبله، يحاول أيضًا، أن يتجاوزه؛ الشاطئ سجن البحر، وما هيجانه وثورته من حين لآخر إلا محاولات مستميتة للهرب من أسره، تهده هزائمه المتوالية وانكساراته ولولا أنه بلا ذاكرة ما عاود محاولاته اليائسة، يتجاهلها الشاطئ حينًا ويسخر منها حينًا آخر. 
مع اقتراب الساعة من السادسة صباحًا ارتفعت وتيرة تقاطر البيروتيون على الكورنيش، تختلط الأصوات؛ صبايا وشباب، نساء ورجال ينهمكون في رياضتهم الصباحية، تتداخل الأصوات والتعليقات، زخات مطر تتفاوت شدتها بحسب الأحوال، فيسحب الجميع أغطية الرءوس، على الجانب المقابل، تمتد محال ومقاه عشاق القهوة الصباحية مع البسكويت والحلوى اللبنانية، لصباحات بيروت نكهة تميزها عما سواها.
وفي المساء، يتحلق الجيران والأصدقاء، أمام دورهم صيفًا وفى داخلها شتاءً، بينما تدور أكواب الشاى بالنعناع والقهوة المغلية بحب الهيل مع المخبوزات وبدائع الحلويات، يعبق أحاديثهم وتعليقاتهم نكهة السياسة ومِلحها مخلوطة بالحديث عن المهاجرين السوريين وحاجتهم للمساعدة وضغوطهم على فرص العمل.  
كانت مايا ممن بادروا لمساعدة المهاجرين، من باب الإنسانية أولاً ومن باب الوفاء ثانيًا؛ ذلك أن والديها، وقت اشتداد الحرب الأهلية ببيروت، رحلا إلى دمشق يحملان طفلة رضيعة لم تتجاوز عامها الأول بعد، لقيا فيها من حفاوة أسرة سورية ما قر أعينهما بعد ما ذاقا من ويلات الحرب الكثير، فحفظا الجميل للسوريين عامة وأوصيا به ابنتهما ففعلت برًا بهما وإرضاءً لهما ولسنوات طفولة قضتها هناك وتفتحت عيناها على شوارع دمشق وسوق الحميدية ومزاراتها السياحية الجميلة.
عادة، لا تتأخر عن المساعدة، ولو بالنصيحة، وعن طيب خاطر ونفس راضية ترى في ابتسامة الآخرين السبب الحقيقى للسعادة الدائمة والسر الخفى في تجانس كيمياء الكون. تؤمن أن الكون وحدة واحدة، في كل حركة وسَكَنَة من حولنا من المعانى ما إن استطعنا فهمه واستيعابه لرأينا المستقبل حاضرًا وتحدثنا مع الطير والحيوان.
تَأثرت مايا بشدة برواية البرازيللى باولو كويللو، الخيميائى، ووصية ملك سالم للفتى سانتياجو (عندما تريد شيئًا بإخلاص، تولد هذه الرغبة في روح الكون، لا تتخل أبدًا عن أحلامك، وانتبه إلي الإشارات)، من هذه الكلمات أيقنت أن الإخلاص هو البداية الحقيقية لأى عمل، صغيرًا كان أم كبيرًا، ثم القدرة على قراءة الإشارات وفهم مكنون رسائلها، هنا يكمن الخلاص من قوانين البشر والقدرة على الاتحاد بعناصر الكون، حينها ترى في زقزقة العصافير رسالة ذات قيمة، وفى عواء كلب معنى مغايرًا لما ألفه الناس، ببساطة تتحول إلى جزء من الكون تعرف قيمته ومكانه وتصبح جزءً من صميم تسبيحاته.
أى إخلاص هذا الذى تعيشه مايا وتندمج به مع جزيئات هذا الكون في انسجام فريد قل من يدركه، هجرها زوجها فبذلت لابنتهما وعملها وقتها وجهدها، تبتسم لتحديات العمل، تفندها، تُقسمها إلى أجزاء وتحدد استراتيجيات مواجهتها، تبتهل إلى الله وتعمل في صمت. سألتها بعد ما أخبرتني حقيقة ترددها الديني،
-    كِيف بتتخيلي الله يا مايا ؟
-    الله بجانبى. الله معى. الله لا يتركنى. الله يحبنى. أنا عم حب ألله، 
ثم تردف متساءلة،
-    بيكَفى ؟.
-    وكتير ؟!! 
-    ......
أخذتُ نفساً عميقاً ورجعتُ بظهرى للخلف حتى استكنت على ظهر المقعد، نظرت في عينيها، وربت على كفها، تسربت شفافيتها إلى جسمى وأحسست بجسمى يرق ويشف ويخف كريشة تسبح في فضاء نورانى، نظرتُ في عينيها وقلت من أعماق قلبى،
-    هذه صوفية يا مايا ؟
-    ما بتشغلنى هايدى المسميات !
-    ....
-    خبرتك عم يا للي بشعر بيه
-    وصلنى صدقك في صوتك
-    بعرف إني عم بتجاوز في إشي أمور كتيرة، وما في مرة شفت نفسي قديسة، أنا من جنس البشر، ها دولا اللي بيصيبوا ويخطئوا، وفى نفس الوقت بيحسنوا الظن برب العالمين.
-    ....
أين هذه الروح من وحدتى وانزوائي في ركن المسجد أبكى واستغفر، أسأل ربى توبة خالصة وحبا خالصا يُشعرنى أننى معه دائمًا وأبدا، يقتلنى حبى لمايا وشغفى بها وفى نفس الوقت أراه بقعة سوداء في فضاء علاقتى بربى. أسأله البُرء، أدعوه من كل قلبى أن يصرف حبها عنى، استجمع شتات قواى الإيمانية المهترئة، استحضر عزمًا كثيرًا ما تفتت على صخرة إغوائها، ابتهل إليه، أرفع كفاى، يرتج كيانى، تحتبس الكلمات على اعتاب شفاهى، تخرج كحشرجات تقطعها فواصل بكاء، تنحدر دموعى على خدين ساخنين، ينعقد لساني وأطأطئ رأسي مخذولا فلا أكمل دعائي بأن يصرفني عنها.
إلى لقاء في فصل جديد
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved